( القضية وأقسامها )
قد علمتَ أن أبحاث المنطق قسمان: قسم في التصورات، وقسم في التصديقات.
فأما قسم التصورات فقد فرغنا منه، وأما قسم التصديقات فها نحن نشرع فيه.
وقد مرّ عليك أن الدخول في المقصود الأهم من قسم التصورات وهو التعريف متوقف على مبحث الكليات الخمس فلذا قدم عليه، وكذلك الحال هنا فإن المقصود الأهم من قسم التصديقات هو الدليل وهو متوقف على الكلام على القضايا فلذا سنقدم هذا المبحث على الدليل.
فالقضية هي: قول يحتمل الصدق والكذب.
وقد مرّ عليك أن القضية هي الجملة الخبرية مثل قام زيدٌ.
وذلك أن الكلام -وهو المركب المفيد- قسمان:
1- إنشاء وهو: قول لا يحتمل الصدق والكذب.
2- خبر وهو: قول يحتمل الصدق والكذب.
والقضية والخبر بمعنى واحد.
وإنما احتمل الخبر الصدق والكذب لأنه حكاية عن واقع، وتلك الحكاية إما أن تكون موافقة للواقع فتكون صادقة وإما أن تكون مخالفة للواقع فتكون كاذبة.
بينما الإنشاء لا يحكي عن واقع بل يذكر المتكلم إرادته النفسية مثل قم، ولا تقعد، وليتك تذهب، ولعل السماء تمطر ونحو ذلك.
ثم إن القضية قسمان:
أولا: حَمْلِيَّة.
ثانيا: شرطِيَّة.
فالحملية هي: ما حكم فيها بثبوت شيء لشيء، أو نفي شيء عن شيء.
فالأولى هي الموجبة مثل زيد قائم، فهنا حكمنا بثبوت القيام لزيد.
والثانية هي السالبة مثل زيد ليس بنائم، فهنا حكمنا بانتفاء النوم عن زيد.
والشرطية هي: ما حكم فيها بوجود رابطة بين قضية وأخرى، أو عدم وجود الرابطة بينهما.
مثال: إذا طلعت الشمس فالنهار موجود.
فهنا حكما بوجود علاقة وارتباط بين قضيتين هما: ( طلعت الشمسُ ) و ( النهارُ موجودٌ ) فكلما تحققت في الواقع القضية الأولى تحققت القضية الثانية، فتسمى هذه قضية شرطية لوجود الشرط بين أمرين.
مثال: إذا جاء رمضان فالصيام واجب.
فهنا حكمنا بوجود رابطة بين قضيتين هما: ( جاء رمضان ) و ( الصيام واجب ) فكلما تحققت في الواقع القضية الأولى تحققت القضية الثانية.
وهذان المثالان للشرطية الموجبة أي التي حكم فيها بوجود علاقة بين قضية وأخرى.
مثال: ليس إذا طلعت الشمس فالليل موجود.
فهنا حكمنا بعدم وجود الارتباط بين قضيتين هما: ( طلعت الشمس ) و ( الليل موجود ) فكلما تحققت في الواقع القضية الأولى انتفت القضية الثانية فهذه قضية شرطية سالبة.
مثال: ليس إذا جاء شوال فالصيام واجب؟
فهنا حكمنا بعدم وجود الارتباط بين قضيتين هما: ( جاء شوالٌ ) و ( الصيام واجب ) والمعنى هو أنه ليس يجب الصوم إذا جاء شهر شوال لأنه لا يجب الصوم إلا في رمضان فهذه قضية شرطية سالبة.
وبالتأمل تعرف أن الفرق بين القضية الحملية والقضية الشرطية هو:
1- في الحملية لا يوجد أداة شرط، وفي الشرطية توجد أداة شرط مثل إذا وإن ومتى ونحوها.
2- في الحملية تنحل القضية وتنفك إلى مفردين موضوع ومحمول، بينما في الشرطية تنحل إلى قضيتين.
مثال: زيد قائم هذه قضية حملية تنحل إلى مفردين هما: ( زيد- وقائم ) أي إلى موضوع ومحمول.
وإذا قلنا إذا طلعت الشمس فالنهار موجود فهذه قضية شرطية تنحل إلى قضيتين بعد حذف أداة الشرط والفاء الرابطة وهما ( طلعت الشمس ) و ( النهار موجود ) فهما في الأصل خبران وقضيتان جمع بينهما بواسطة أداة الشرط والفاء الرابطة.
وهنا تنبيهان:
الأول هو: أن القضيتين المنحلتين في القضية الشرطية لم يعودا مركبين تامين يحسن السكوت عليها بل هما مركبان ناقصان.
فقولنا طلعت الشمس هذا مركب تام وقضية حملية، ولكن إذا دخل عليها الشرط فقلنا إذا طلعت الشمس فهذا مركب ناقص لا يحسن السكوت عليه، وإذا قلنا النهار موجود فهذا مركب تام وقضية حملية ولكن إذا صار جوابا للشرط ودخلت عليه الفاء وصار فالنهار موجود فقد صار مركبا ناقصا.
ويترتب على هذه المعلومة هو أن تعقل طرفي القضية الشرطية يكون من مصاديق التصور والجزم بالنسبة بين القضيتين يكون تصديقا.
فتعقل إذا طلعت الشمس، تصور، وتعقل فالنهار موجود تصور، والحكم بمجموع الجملة بطرفيها تصديق.
الثاني هو: أن الجملة الإنشائية قد يكون فيها شرط مثل أكرمْ زيدا إذا جاءك, أو إذا جاءك زيد فأكرمه.
ومثل قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، فهذه لا تحتمل الصدق والكذب لأنها تعبِّر عن إرادة المتكلم ولا تحكي عن واقع.
فهذه تختلف عن قولنا إذا جاء الشتاء فسيهطل المطر، فهذه قضية خبرية شرطية تحتمل أن تكون صادقة في الواقع أو كاذبة لأنها تحكي عن واقع فتامل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق