( التناقض )
قد علمتَ أن القضية قول يحتمل الصدق والكذب، وأنها إما أن تكون حملية وإما أن تكون شرطية وللحملية أقسام وللشرطية أقسام قد سبق بيانها فهذا ما يتعلق بأقسام القضية.
وأما أحكام القضية فأولها التناقض.
والتناقض هو: اختلاف قضيتين بالإيجاب والسلب بحيث يقتضي صدق أحدهما وكذب الأخرى.
أي أن التناقض يكون بين قضيتين إحداهما موجبة، والأخرى سالبة، وبين معنى القضيتين غاية التنافي بحيث إذا صدقت إحداهما، فلا بد أن تكون الثانية كاذبة، وإذا كذبت إحداهما فلا بد أن تكون الثانية صادقة.
مثال: زيد قائم.
هذه قضية موجبة، فإذا أردنا أن نذكر نقيضها نقول: زيد ليس بقائم، وهذه قضية سالبة.
ونجد أنه إذا صدقت القضية الأولى بأن كان زيد قائما في الواقع، فستكذب القضية الثانية، وإذا صدقت القضية الثانية بأن كان زيد ليس بقائم في الواقع، فستكذب القضية الأولى، فهذا هو التناقض.
فالقضيتان المتناقضتان ( لا يجتمعان ولا يرتفعان ).
ومعنى لا يجتمعان = معنى لا يصدقان معا، أي إذا صدقت إحداهما، كذبت الأخرى.
ومعنى لا يرتفعان= معنى لا يكذبان، أي إذا كذبت إحداهما فلا بد أن تصدق الثانية، ولا يمكن أن يكذبان معا ويخلو الموضوع عنهما فلا يتصف لا بمحمول القضية الأولى ولا بمحمول القضية الثانية.
مثال: الله ربنا.
هذه قضية موجبة يؤمن بها كل الخلق إلا من شذ، وأما الملحدون فيقولون الله ليس ربنا وهذه قضية سالبة فلا يمكن أن يجتمعا بأن يكون الله ربا وليس ربا، ولا يمكن أن يرتفعا بأن لا يتصف الله سبحانه بالربوبية ولا بعدمها معا فتكون القضيتان السابقتان متناقضتين.
مثال: محمد رسول الله.
هذه قضية موجبة يؤمن بها المسلمون، وأما الكفار فيقولون محمد ليس برسول الله، وهذه قضية سالبة فإما أن تكون الأولى هي الصادقة في الواقع، وإما أن تكون الثانية.
وبما أنه قد ثبت بالبرهان صدق الأولى، فتكون الثانية كاذبة قطعا.
فتلخص من ذلك أن التناقض هو نوع تلازم بين قضيتين، ولكنه تلازم تعاندي فإذا صدقت إحداهما لا بد أن تكذب الثانية، وإذا كذبت إحداهما فلا بد أن تصدق الثانية فهما لا يجتمعان ولا يرتفعان.
ومعرفة التناقض تعين على الاستدلال السليم.
بيانه:
إذا أردت أن تستدل على صحة قضية ما فسيكون عندك خياران:
الأول: أن تثبت صحة القضية التي تؤمن بها بالدليل.
الثاني: أن تثبت بطلان القضية المناقضة للقضية التي تؤمن بها بالدليل.
مثال: إذا جرت بينك وبين أحد الملاحدة مناظرة حول إثبات وجود الله سبحانه فلك طريقان:
الأول: أن تثبت بالدليل أن ( الله موجود ) فيبطل مباشرة القضية التي يؤمن بها الملحد وهي ( الله ليس بموجود ) لأنهما قضيتان متناقضتان وبما أنك أثبت صدق الأولى فيثبت بشكل تلقائي كذب الثانية لأنهما لا يجتمعان.
الثاني: أن تثبت بالدليل بطلان أن ( الله ليس بموجود ) كما يعتقد الملحد، فيثبت مباشرة صحة القضية التي تؤمن بها وهي أن ( الله موجود ) لأنهما قضيتان متناقضتان وبما أنك أثبت كذب الثانية فيثبت بشكل تلقائي صدق الأولى لأنهما لا يرتفعان.
أي أنك لا تحتاج أن تستدل مرتين مرة في الإثبات ومرة في النفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق