( شروط التناقض )
قد علمتَ أن التناقض هو: اختلاف قضيتين بالإيجاب والسلب بحيث يقتضي صدق أحدهما وكذب الأخرى.
ثم إن للتناقض ثمانية شروط هي:
1- الاتحاد في الموضوع.
فلو اختلفت القضيتان في الموضوع لم تتناقضا.
مثال: زيد قائم، عمرو ليس بقائم.
فلا تناقض لاختلاف الموضوع في القضيتين لأن موضوع القضية الأولى زيد، وموضوع الثانية عمرو.
2- الاتحاد في المحمول.
فلو اختلفت القضيتان في المحمول لم تتناقضا.
مثال: زيد قائم، زيد ليس بنائم.
فلا تناقض لاختلاف المحمول في القضيتين لأن محمول القضية الأولى قائم، ومحمول الثانية نائم.
3- الاتحاد في الزمان.
فلو اختلفت القضيتان في الزمان لم تتناقضا.
مثال: زيد قائم الآن، زيد ليس بقائم قبل ساعة.
فلا تناقض لاختلاف الزمان في القضيتين لأن زمان القضية الأولى الآن، وزمان الثانية قبل ساعة.
4- الاتحاد في المكان.
فلو اختلفت القضيتان في المكان لم تتناقضا.
مثال: زيد قائم في الشارع، زيد ليس بقائم في البيت.
فلا تناقض لاختلاف القضيتين في المكان لأن مكان القضية الأولى هو الشارع، ومكان الثانية هو البيت.
5- الاتحاد في الإضافة.
فلو اختلفت القضيتان في الإضافة لم تتناقضا.
مثال: زيد أكبر من عمرو، زيد ليس بأكبر من سعيد.
فلا تناقض لاختلاف القضيتين في الإضافة لأن المقصود هو زيد أكبر سنا بالإضافة إلى عمرو، ولكنه ليس أكبر سنا بالإضافة والقياس إلى سعيد.
6- الاتحاد في القوة والفعل.
فلو اختلفت القضيتان في القوة والفعل لم تتناقضا.
وقد مرّ عليك أن المقصود بالقوة هو القابلية والجاهزية للتحقق، بينما المراد من الفعل هو التحقق الحالي.
فالبذرة شجرة بالقوة فمتى زرعت وسقيت وتوفرت الظروف المناسبة صارت شجرة، بينما الشجرة التي هي أمامك شجرة بالفعل فهي شجرة الآن لا أنها ستصير شجرة بالمستقبل.
مثال: زيد فقيه بالقوة، زيد ليس بفقيه بالفعل.
فلا تناقض لاختلاف القضيتين بالقوة والفعل لأن المراد في القضية الأولى هو القوة، وفي الثانية هو الفعل.
7- الاتحاد في الجزء والكل.
فلو اختلفت القضيتان في الجزء والكل لم تتناقضا.
مثال: زيد أبيض بعضه، زيد ليس بأبيض كله.
فلا تناقض لاختلاف القضيتين بالجزء والكل لأن المقصود أن بعض زبد أبيض كأسنانه وباطن كفه وأما كله فليس بأبيض كشعره الأسود وقد تكون بشرته سوداء.
8- الاتحاد في الشرط.
فلو اختلفت القضيتان في الشرط لم تتناقضا.
مثال: زيد ناجح إن اجتهد، زيد ليس ناجح إن لم يجتهد.
فلا تناقض لاختلاف القضيتين بالشرط لأن الشرط في القضية الأولى هو الاجتهاد وفي الثانية عدم الاجتهاد.
فهذه هي شروط التناقض ويمكن أن نختصرها ( باتحاد الموضوع والمحمول والقيود في القضيتين ).
فلكي يتحقق التناقض لا بد أن يحصل الاتحاد في كل ما سبق ويكون الاختلاف في الإيجاب والسلب.
ثم إن فائدة معرفة هذه الوحدات الثماني التي هي شروط التناقض تكمن في رفع التعارض الظاهري بين القضايا، وكثيرا ما يتوهم الناظر وجود التعارض والتناقض بين النصوص الشرعية فيأتي العالِمُ فيرفع التناقض بذكر تخلف شرط من شروط التناقض فيندفع الإشكال.
مثال: قال الله تعالى: ( وما رميتَ إذْ رميتَ ولكنّ اللهَ رمى ).
فقوله تعالى ( وما رميت ) نفي للرمي عنه.
وقوله ( إذْ رميتَ ) إثبات للرمي له.
فالأولى= ما رميت يا رسول الله.
والثانية= قد رميت يا رسول الله.
وهذا تناقض - في الظاهر- فكيف السبيل؟
والجواب: هو أنه قد جاء في الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر أخذ حفنة من تراب ثم رماها على المشركين فلم يبق أحد منهم إلا ووقع عليه التراب.
ولا شك أن الرمي والإلقاء حصل من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن التسديد والإصابة كان من الله سبحانه وإلا كيف لذلك التراب القليل أن يصل إلى ذلك العدد الغفير من المشركين فهي معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.
فتكون النتيجة هكذا:
ما رميت يا رسول الله أي أوصلت وأصبت.
قد رميت يا رسول الله أي ألقيت.
أي أن المحمول في القضيتين مختلف من حيث المعنى فلا تناقض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق