( الدليل )
قدْ علمتَ أنَّ أبحاثَ المنطقِ تدورُ حولَ التعريفِ والدليلِ، وقدْ سبقَ الكلامُ مفصلاً حولَ التعريفِ.
وأما الدليل فقد فرغنا من الحديث عن مقدماته أعني مبحث القضية وأقسامها وأحكامها، وها نحن نشرع في الدليل نفسه.
فالدليل هو: ما يلزمُ من العلمِ به العلمُ بشيء آخر.
مثال: إذا علمت أن التدخين مضر بالبدن، فستعلم أنه حرام.
فلزم من علمكَ بضرر التدخين، علمك بحرمته.
فالعلم بأن التدخين مضر يسمى دليلا لأنه يدلك على حرمته.
والشيء الذي استفدته وكسبته من ذلك الدليل وهو حرمة التدخين يسمى مدلولا.
والعلاقة بين الدلالة واللزوم هي: ( أن الدليل ملزوم، والمدلول لازم له ) ولهذا حينما تعلم بالدليل تعلم بالمدلول.
( فكل ما كان مستلزِما لغيره أمكن أن يستدل به على ذلك الغير ).
مثال: طرقة الباب تدل على شخص عند الباب.
فالطرقة دليل وملزوم، ووجود الطارق مدلول ولازم.
مثال: الدخان يدل على النار.
فالدخان دليل وملزوم، والنار مدلول ولازم.
ثم إن الدليل نوعان:
أولا: دليل مباشر.
ثانيا: دليل غير مباشر.
فالدليل المباشر هو: ما يستدل فيه بشيء على شيء آخر، أو بقضية على أخرى.
ويدخل في هذا النوع جميع أنواع الدلالات التي تقدمت في أوائل الكتاب.
مثال: إذا علمت أن هذا العدد أربعة فستعلم أنه زوج.
فالأربعة دليل على الزوجية، وإن شئت فقل: الأربعة ملزوم والزوجية لازم.
مثال: إذا رأيت الشمس تشرق من جهة فستعلم أن تلك الجهة هي الشرق.
فالشمس دليل ملزوم وجهة الشرق مدلول ولازم.
مثال: إذا رأيت إشارة المرور الحمراء فستعلم أنه عليك أن تتوقف في مركبتك.
فالإشارة الحمراء دليل، ولزوم التوقف مدلول.
ويدخل في هذا النوع أيضا مبحث التناقض والعكس لأننا نستدل بقضية واحدة على قضية أخرى.
مثال: إذا علمت أن الله موجود قضية صادقة، فستعلم أن ما يقوله الملحد من أن الله ليس بموجود قضية كاذبة لأنهما نقيضان يلزم من العلم بصدق إحداهما العلم بكذب الأخرى.
مثال: إذا علمت أن كل إنسان حيوان قضية صادقة فستعلم أنه بعض الحيوان صادقة أيضا لأن الثانية عكس الأولى التي هي الأصل ويلزم من العلم بصدق الأصل العلم بصدق العكس.
أما الدليل غير المباشر فهو: ما يستدل فيه بمجموع قضيتين على قضية أخرى.
مثال: إذا علمت أن: النبيذ مسكر- وكل مسكر حرام- فستعلم أن النبيذ حرام.
فهنا علمت بقضيتين وهما: ( النبيذ مسكر، وكل مسكر حرام ) فأنتجا لك علما بقضية أخرى وهي النبيذ حرام، فتلك القضيتان تسمى دليلا والقضية الناتجة منهما تسمى مدلولا ونتيجة.
والدليل غير المباشر هو الذي يهتم به المناطقة ويعقدون له مبحث الدليل ويتكلمون على تفاصيله ويعرفونه بأنه: معلوم تصديقي يوصل إلى مجهول تصديقي.
فالمعلوم التصديقي هنا قضيتان: ( النبيذ مسكر، وكل مسكر حرام ) وقد أوصلا إلى مجهول تصديقي وهو : ( النبيذ حرام ).
واحترزوا بكلمة التصديقي عن التعريف فإنه معلوم تصوري يوصل إلى مجهول تصوري.
فالدليل غير المباشر يحتاج إلى قضيتين للوصول إلى المجهول.
والدليل المباشر لا يحتاج إلى قضيتين للوصول إلى المجهول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق