" أقسام الدلالة "
قد علمتَ أن أبحاثَ المنطقِ منحصرةٌ في قسمين: قسمٍ في التصورات، وقسمٍ في التصديقات.
وقبل أن ندخلَ في مبحث التصوراتِ نحتاجُ إلى ذكر بعض الأمور المتعلقةِ باللفظ تعرف بمباحث الألفاظ وذلك لأن ذكر التعريف والدليل للناس يكون بواسطة ألفاظ فاحتجنا إلى ذكر تلك الأمور اللفظية تمهيدا لدراستنا مباحث التصورات والتصديقات.
ومن هنا يجاب على سؤال يذكره البعض وهو لم ندرس مباحث الألفاظ في المنطق مع أنه يهتم بالمعاني لا بالألفاظ؟
والجواب: لأن تلك الألفاظ هي الواسطة في نقل المعاني فاحتجنا إلى دراسة

وسنذكر فيها مبحثين:
الأول: أقسام الدلالة.
الثاني: أقسام اللفظ.
فالدلالة هي: فهم شيء من شيء آخر.
مثال: إذا كنت في بيتك فسمعت طرقا على الباب فسوف ينتقل ذهنك مباشرة إلى أنه يوجد شخص عند الباب فتذهب لتخرج إليه.
فهنا الطرقة أرشدتك إلى وجود شخص.
فالطرقة تسمى دالا.
ووجود شخص عند الباب يسمى مدلولا.
والارتباط الحاصل بين الدال والمدلول هو الدلالة أي أن انتقال ذهنك من الطرقة إلى الشخص هو الدلالة.
فليست الدلالة هي الدال أو المدلول بل هي النسبة والانتقال الذهني من الدال إلى المدلول.
والدلالة تنقسم إلى قسمين:
دلالة لفظية وهي: التي يكون الدال فيها لفظا.
دلالة غير لفظية وهي: التي يكون الدال فيها غير لفظ.
مثال اللفظية: لفظ زيد يدل على شخص معين، ولفظ نخلة يدل على الشجرة ذات التمر.
فلفظ نخلة دال والشجرة ذات التمر مدلول، وفهم المعنى من هذا اللفظ هو الدلالة اللفظية.
ومثال غير اللفظية: إذا نظرت إلى السماء فرأيت دخانا أسود فستعلم أنه توجد نار تشتعل في مكان ما.
فالدخان دال والنار مدلول وانتقال ذهنك من الدخان إلى النار هو الدلالة.
ولا شك أن الدخان ليس لفظا.
وكل من الدلالة اللفظية وغير اللفظية ينقسمان إلى ثلاثة أقسام هي: ( وضعية- طبعية- عقلية )
أولا: الدلالة الوضعية وهي: الدلالة الحاصلة من الوضع والاصطلاح أي جرى اتفاق على أن هذا الشيء قد وضع علامة على هذا الشيء فمتى أطلق فهم منه ذلك الشيء.
مثال الدلالة اللفظية الوضعية: اللغات فكلها من باب الدلالة الوضعية فإذا نطقت بكلمة سيارة فهم السامع تلك الآلية المعروفة.
ولكل قوم لغتهم الخاصة بهم.
ومثال الدلالة غير اللفظية الوضعية: إشارات المرور فأنت إذا رأيت اللون الأحمر ستوقف سيارتك وإذا رأيت الأخضر سرت، وهذه دلالة وضعية لأن النظام الدولي قد اصطلح على جعل هذه الألوان دلالة على التوقف أو السير وهي ليست لفظا كما هو واضح.
ثانيا: الدلالة الطبعية وهي: التي يكون منشأها طبع الإنسان أو عاداته.
مثال الدلالة اللفظية الطبعية: لفظة أخ إذا توجعت من شيء كأن تمشي وتدوس على مسمار فتجد بغير شعور تقول أخ فتجد صديقك يفهم من هذه اللفظة مباشرة أنك تتألم.
وهذه اللفظة لم توضع لتدل على الألم ولكن اعتاد كثير من الناس أن ينطقوا بها حين الشعور بالألم.
ومثال الدلالة غير اللفظية الطبعية: إذا رأيت شخصا اصفر وجهه فجأة فستعلم مباشرة أنه خائف من شيء ما وهذه دلالة طبعية لأن الإنسان بطبعه وبغير إرادته يصفر عند الخوف.
ثالثا: الدلالة العقلية وهي: الدلالة التي تنشأ بسبب العقل وهي تكون محكومة بقواعد عقلية مثل أن الأثر يدل على المؤثر والفعل يدل على الفاعل فهي لا تنشأ من وضع الإنسان واصطلاحه ولا بسبب طبعه وعاداته بل بسبب اللزوم العقلي بين الدال والمدلول.
مثال الدلالة اللفظية العقلية: دلالة اللفظ على اللافظ لأن اللفظ أثر فلا بد له من فاعل.
فإذا سمعت نحنحة من خلف الجدار فأنت ستعلم بلا شك أنه هناك منحنح أي إنسان موجود لأن هذا الصوت يستحيل أن يوجد من غير شخص يقوم به.
ومثال الدلالة غير اللفظية العقلية: دلالة الدخان على النار لأن هذا أثر ومؤثر فالدخان أثر والنار مؤثر.
والحاصل أن الدلالة ستة أقسام هي:
1- الدلالة اللفظية الوضعية.
2- الدلالة غير اللفظية الوضعية.
3- الدلالة اللفظية الطبعية.
4- الدلالة غير اللفظية الطبعية.
5- الدلالة اللفظية العقلية.
6- الدلالة غير اللفظية العقلية.
بقي أن نقارن بين هذه الدلالات فنقول:
الدلالة الوضعية منشأها الوضع والاصطلاح.
والطبعية منشأها جبلة الإنسان أو عاداته ولا علاقة لها بالوضع.
والعقلية منشأها الدليل العقلي.
والوضعية تختلف من وضع إلى آخر لاختلاف الأوضاع واللغات.
والطبعية قد تختلف باختلاف عادات الناس.
والعقلية لا تختلف من قوم إلى آخرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق