( المظنونات- المشهورات- المسلّمات- المقبولات)

السبت، 10 مايو 2014


( المظنونات- المشهورات- المسلّمات- المقبولات)

قد علمتَ أن البرهان هو الذي يتألف من مقدمات يقينية سواء أكانت نظرية أم ضرورية، وهنالك مواد أخرى غير اليقينيات.
فأما المظنونات فهي: القضايا التي يحكم فيها العقل حكما راجحا مع تجويز الطرف الثاني.
وقد تقدم تفسير الظن وذكرنا أن فيه ترجيحا بلا جزم مثل ترجيح قيام زيد على عدمه.
مثال: أن ترى شخصا رثّ الثياب فتقول هذا فقير، فإن كون رث الثياب فقيرا أمرا مظنونا وليس يقينيا لجواز أنه يلبس الرث من الثياب مع غناه.

مثال: أن ترى شخصا يطوف بالليل ويخرج كثيرا فتعتقد أنه لص أو من رجال العصابات فإن مثل هذا الأمر مظنون.

مثال: أن ترى امرأة تمشي مشية مريبة وتلبس ملابس غير محتشمة ويظهر على سلوكها الريبة فتعتقد أنها من الزانيات مع أن مثل هذا غير لازم.

وأكثر أحكام الناس من هذا القبيل مأخوذة من قرائن وأمارات تفيد الظن ولا تدل على اليقين.

وأما المشهورات فهي: القضايا التي اتفقت عليها آراء الناس جميعا، أو اتفق عليها بعضهم.
مثال: العدل حسن، والظلم قبيح. فهذه اشتهرت بين الناس والكل يذعن بها فتعتبر من المشهورات.

مثال: كشف العورة مذموم. فهذه قضية مشهورة عند أهل الأديان وأما الإباحيون وبعض الأقوام البدائية فقد لا يقرون بهذه القضية لأنها غير مشتهرة عندهم.

مثال: ذبح الحيوان مذموم فهذه قضية مشتهرة عند كثير من أهل الهند مع أنها لا تقبل عند أكثر الناس وهي أيضا اليوم صارت مشتهرة عند من يعرفون بالنباتيين الذي يشفقون على الحيوانات من أن تذبح لأجل الإنسان.

وأما المسلمات فهي: القضايا التي يسلم بها الخصم.
وهذه تستعمل في المناظرات فيسلم خصمك الذي تناظره وتناقشه بقضية ما فتحتج بها عليه.
مثال: الأمر يفيد الوجوب يسلم بها خصمك الأصولي فتحتج بها عليه.

مثال: أن يسلم خصمك النصراني بأن عيسى قد مات مع أنه إله فتحتج بها عليه وتلزمه بإلزامات معينة بقصد إفحامه.

مثال: أن يسلم خصمك الإمامي أن عليا رضي الله عنه زوج ابنته لعمر رضي الله عنه فيقال له وكيف زوج ابنته لكافر عندكم وعقد الكافر على المسلمة لا يصح!.

وأما المقبولات فهي: القضايا التي تؤخذ ممن يوثق فيه.
كالقضايا التي تؤخذ من الأنبياء والصحابة والصالحين والعلماء ونحوهم.
مثال: الصلوات الخمس واجبة والربا محرم ونحو ذلك.

مثال: صلة الأرحام تزيد في العمر.

مثال: القضايا التي تؤخذ من الأطباء والنصائح التي ينصح بها المريض فإنه يقبلها ثقة فيه لا أنه قد أقام عليها البرهان وثبتت عنده بالدليل.

تنبيهات:
أولا: بالنسبة للمظنونات فأمرها بيّن لا يشتبه باليقينيات لأنها إما أن تكون ضرورية أو نظرية قد أقيم عليها البرهان فأورثت بالنفس اليقين، ولكن الظنيات ليس بالضرورة أن تكون مطابقة للواقع فقد تكون كذلك ويكون ما ظنه الإنسان حقا وقد لا تكون.

ثانيا: المشهورات والمسلمات والمقبولات قد تكون في نفسها من اليقينيات وقد لا تكون فلا مانع أن تكون القضية الواحدة تدخل في أكثر من قسم باعتبارات مختلفة. مثال: الكل أكبر من جزئه، فهذه من الأوليات، ومن المشهورات عند كل الناس ومن المسلمات التي يسلم بها الخصم، وقد تكون من المقبولات.
فهي باعتبار أن تصورها كاف للجزم بها بلا حاجة لدليل تعتبر من الأوليات.
وباعتبار أنها مشتهرة بين الناس تعتبر من المشهورات.
وباعتبار أنها يسلم بها الخصم فهي من المسلمات.
وباعتبار أنها تؤخذ ممن يوثق فيه كأن تؤخذ من المناطقة فهي من المقبولات كأن يأخذها شخص وهو لم يتصور أجزاء القضية بصورة تامة كي يجزم بنفسه ولم تشتهر عنده أو يسلم بها بل أخذها تقليدا للغير.
فالأقسام متداخلة والتفريق يحصل بالاعتبارات.

ثالثا: المقبولات قد تورث اليقين كأن تصدر من نبي معصوم، فإنه لكون النبي قد قام البرهان على صدق كلامه وأنه مؤيد بالوحي فيكون ما قاله حقا لا ريب فيه ولا شك، ومن حسب أن كلام الأنبياء لا يفيد اليقين فقد غلط غلطا عظيما، نعم قد لا يحصل اليقين باعتبار الطريق الذي وصل به كلامهم إلينا ويختلف في ثبوت الرواية عنه وقوتها وضعفها، أو يكون كلام النبي محتملا لأكثر من معنى فيحصل الظن.
وقد لا تفيد المقبولات أكثر من الظن الراجح كالكلام الذي يؤخذ تقليدا ممن يعتقد صلاحه أو علمه بعمله كالطبيب والمهندس والكيميائي ونحو ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

قائمة المدونات الإلكترونية

About Me