مبدأ عمل القياس

الجمعة، 9 مايو 2014

مبدأ عمل القياس )

قد علمتَ أن القياسَ قولٌ مؤلفٌ مِن قضايا متى سُلِّمت لزمَ عنها قولٌ آخر، وعلمتَ أن القياس هو نوع من أنواع الدليل غير المباشر، وكل دليل سواء أكان مباشرا أو غير مباشر فهو يعتمد على مبدأ التلازم.

فأساس عمل القياس يعتمد على التلازم بين مقدمتيه وبين النتيجة.
( الأصغر يستلزم الأوسط- والأوسط يستلزم الأكبر- فينتج أن الأصغر يستلزم الأكبر ).

مثال: النبيذ مسكر- وكل مسكر حرام- فالنبيذ حرام.
فهنا الأصغر ( النبيذ ) يستلزم الأوسط ( المسكر )؛ فيكون النبيذ ملزوما والمسكر لازما له.
والأوسط ( المسكر ) يستلزم الأكبر ( الحرام )؛ فيكون المسكر ملزوما والحرام لازما له.
فينتج أن الأصغر يستلزم الأكبر أي أن النبيذ يكون حراما.

بمعنى آخر أن النبيذ حرام لأنه مسكر، فالإسكار هو الدليل على حرمة النبيذ، فهو الواسطة في إثبات الحرمة للنبيذ.

ولهذا دائما يكون الحد الأوسط هو الدليل الحقيقي، ولهذا يقع بعد عبارة ( لأنه كذا ) فيقال لم كان النبيذ حراما؟ فتقول: لأنه مسكر.
ولأجل هذا كان الحد الأوسط هو روح القياس وعمدته.
وهذا هو السر في كون القياس دليلا غير مباشر لأنه يحتاج لوسط ينقل الحكم.
بخلاف الدليل المباشر فإذا رأيت الشمس فستعلم الشرق، من غير حاجة لوسط ولا عملية قياس.

مثال: كل إنسان ناطق- وكل ناطق ضاحك- فكل إنسان ضاحك.
فالإنسان يستلزم الناطقية- والناطقية تستلزم الضاحكية- فيكون الإنسان ضاحكا.

وإذا أردنا أن نصوغ أساس عمل القياس بصيغة رياضية نقول:
أ يستلزم ب- وب يستلزم جـ- فـ أ يستلزم جـ.

ولو راجعنا ما سبق ذكره عن التلازم فسنعلم أن اللازم نوعان:
1- لازم أعم من الملزوم.
2- لازم مساو للملزوم.

وإذا علمنا- بمقتضى ما سبق- أن الأصغر ملزوم والأوسط لازم له، وأن الأوسط ملزوم والأكبر لازم له فسنعلم النسبة المنطقية بين ( الأصغر والأوسط ) و كذا بين ( الأوسط والأكبر ) وبين ( الأصغر والأكبر ).

فالنسبة بين الأصغر والأوسط هي إما العموم والخصوص المطلق والأعم هو الأوسط والأخص هو الأصغر، وإما التساوي بينهما؛ وذلك لأن الأوسط لازم للأصغر، فإذا كان اللازم أعم فيكون الملزوم الذي هو الأصغر أخص، وإذا كان اللازم مساويا فتكون النسبة بين الأصغر والأوسط هي التساوي.

والنسبة بين الأوسط والأكبر هي إما العموم والخصوص المطلق والأعم هو الأكبر والأخص هو الأوسط وإما التساوي، وذلك لأن الأكبر لازم للأوسط فإذا كان هو أعم فسيكون الأوسط أخص وإذا كان الأكبر مساويا للأوسط فالنسبة هي التساوي بينهما.

والنسبة بين الأصغر والأكبر هي إما العموم والخصوص المطلق والأعم هو الأكبر والأخص هو الأصغر وإما التساوي؛ وذلك لأنه إذا ثبت أن الأوسط قد يكون أعم من الأصغر، والأكبر أعم من الأوسط، فيلزم أن الأكبر أعم من الأصغر، وقد يكون الأصغر مساويا للأوسط، والأوسط مساويا للأكبر، فيلزم أن الأصغر مساويا للأكبر.

مثال أول: النبيذ مسكر- وكل مسكر حرام- فالنبيذ حرام.
مثال ثان: كل إنسان ناطق- وكل ناطق ضاحك- فكل إنسان ضاحك.

ففي المثال الأول: الأصغر هو النبيذ، والأكبر هو الحرام، والأوسط هو المسكر.
والنسبة بين النبيذ والمسكر هي العموم والخصوص المطلق، والمسكر هو الأعم، والنبيذ هو الأخص؛ لأن المسكر قد يكون نبيذا، وقد يكون غيره كالخمر.
والنسبة بين المسكر والحرام هي العموم والخصوص المطلق أيضا، ولكن الأعم هو الحرام والأخص هو المسكر؛ لأن الحرام قد يكون مسكرا، وقد يكون غيره كالدم.
والنسبة بين النبيذ والحرام هي العموم والخصوص المطلق أيضا، والأعم هو الحرام والأخص هو النبيذ لأن الحرام قد يكون نبيذا، وقد يكون غيره كالخمر والدم.

وفي المثال الثاني: الأصغر هو الإنسان، والأكبر هو الضاحك، والأوسط هو الناطق.
والنسبة بين الإنسان والناطق هي المساواة لأن كل إنسان ناطق، وكل ناطق إنسان.
والنسبة بين الناطق والضاحك هي المساواة أيضا لأن كل ناطق ضاحك، وكل ضاحك ناطق.
والنسبة بين الإنسان والضاحك هي المساواة أيضا لأن كل إنسان ضاحك، وكل ضاحك إنسان.
فتلخص أن النسبة بين الحدود الثلاثة هي: ( العموم والخصوص المطلق- أو المساواة ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

قائمة المدونات الإلكترونية

About Me