مواد الأدلة

السبت، 10 مايو 2014


( مواد الأدلة )

قد علمتَ أن الدليل هو المقصود الأهم في بحث التصديقات، وقد قسمناه إلى أربعة أقسام: القياس المتعارف عليه، وقياس المساواة، والتمثيل، والاستقراء.
وهذا هو التقسيم الأول للدليل وهو تقسيم بحسب الصورة.
وهناك تقسيم آخر وهو تقسيم بحسب المادة.

ونعني بصورة الدليل: طريقة صياغة الدليل وكيفية تأليفه، كأن يكون ذا حد أوسط ويكون من الشكل الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع.
ونعني بمادة الدليل هي: مقدماته التي يبتني منها، أي نفس القضايا هل هي صادقة أو لا.
فنحن نحتاج تارة للبحث في الدليل من جهة الصورة وقد تقدم البحث في ذلك، وتارة من جهة المادة.
كما أن الثوب له شكل وصورة يخاط عليه، وله مادة وهو القماش المعين الذي يخاط منه الثوب.

مثال: زيد ناهق- وكل ناهق صاهل- فزيد صاهل.
فهذا القياس لو نظرنا إليه من جهة صورته لوجدناه من الشكل الأول لأن الأوسط وهو ناهق محمول في الصغرى وموضوع في الكبرى، وصغراه موجبة، وكبراه كلية فقد توفرت فيه شروط الإنتاج.
وأما من جهة مادته فهو قد تألف من مقدمات كاذبة فالخلل هنا ليس من جهة صورة الدليل، ولكن من جهة مادته، ولكي يستقيم الدليل لا بد أن يستقيم من جهة الصورة، ومن جهة المادة.

ونحن في البحث الأول لم نكن نهتم بالمادة لأن غرضنا متعلق بالهيئة ولذا قالوا في تعريف القياس: قول مركب من مقدمات متى سلمت لزم عنها قول آخر، أي لو فرض صدقها فسينتج القياس نتيجة صادقة.
أما كون القضية صادقة في نفسها أو غير صادقة فهذا مرتبط بمادة القياس.

ومواد الأدلة ومقدماتها قد تكون يقينية، وقد تكون غير ذلك.
واليقينيات قد تكون نظرية، وقد تكون ضرورية.
فالنظري- كما سبق- هو: ما يحتاج لدليل.
مثال: سيدنا محمد رسول الله- وكل رسل الله يجب الإيمان بهم- فسيدنا محمد يجب الإيمان به.

فهذا القياس من الشكل الأول وله مقدمتان ( مادتان ):
الأولى: سيدنا محمد رسول الله وهذه قضية نظرية يقينية لأنه قد قام الدليل القاطع والبرهان الساطع على صدقها كما هو مقرر في كتب العقائد.
الثانية: كل رسل الله يجب الإيمان بهم، وهذه قضية نظرية يقينية أيضا لأنه قد أقيم عليها الدليل.
فبما أن القضيتين يقينيتين وقد صيغتا من الشكل الأول بديهي الإنتاج فالنتيجة يقينية لا ريب فيها ولا شك.

وأما الضروري فهو: ما لا يحتاج لدليل.
وللضروري أقسام هي:
أولا: الأوليات وهي: التي يحكم فيها العقل بمجرد تصور طرفيها والنسبة.
مثال: النقيضان لا يجتمعان، فمن تصور معنى النقيضين وفهم معنى الاجتماع جزم بأنهما لا يجتمعان ولا يحتاج لأي شيء آخر سوى تصور أطراف القضية.

مثال: الكل أكبر من جزئه، فمن عرف ما هو المقصود بالكل وعرف المقصود بالجزء فسيجزم أن الكل أكبر من جزئه.

ثانيا: المحسوسات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة الحس.
مثال: الشمس مشرقة، فهنا لا يكفي أن تتصور معنى الشمس ومعنى مشرقة والنسبة بينهما كي تجزم بصدق القضية لأنك لا بد أن تشاهد إشراق الشمس بعينك كي تصدق بذلك.

مثال: أنا جائع، فأنت هنا تصدق بهذه القضية لأنها تحكي عن أمر تحسه بوجدانك وتعيشه واقعا.
فلا فرق في المحسوسات بين توقف الجزم بصحة القضية على الحس الظاهر أو الحس الباطن.

ثالثا: المتواترات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة السماع من جمع كثير يستحيل في نظر العقل أن يتفقوا على الكذب.
مثال أبو بكر الصديق هو الخليفة الأول، فهذه لا يصدق العقل بها بمجرد تصور معناها بل يحتاج مع ذلك إلى الحس وهو السماع ولا يكفي أن يسمع من واحد أو اثنين أو ثلاثة كي يصل إلى اليقين بل لا بد أن يصله الخبر من جمع كثير يستحيل معه الاتفاق على الكذب.

مثال: أبراج أمريكا نسفت في أحداث 11 أيلول.
فهذه الوقعة من شاهدها فهي عنده من الحسيات، ومَن سمع بها مِن جمع كثير فهي متواترة عنده.

رابعا: المجربات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة التكرار.
مثال: البنج مخدر، فهذه القضية حكم بصدقها العقل اعتمادا على التجربة والتكرار فلا يكفي أن يشاهد حصول الخدر به مرة أو مرتين بل لا بد من التكرار إلى أن يقطع بذلك.
مثال: السم قاتل، فهذه يحكم بها العقل بسبب التجربة والتكرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

قائمة المدونات الإلكترونية

About Me