المخيَّلات- الوهميات- المشبَّهات

السبت، 10 مايو 2014


المخيَّلات- الوهميات- المشبَّهات

قد علمتَ أن القياس الخطابي هو الذي يتألف من المقبولات والمظنونات، وأن القياس الجدلي هو الذي يتألف من المشهورات والمسلمات.

وقد بقي علينا من مواد القضايا المخيلات والوهميات والمشبهات.

فأما المخيلات فهي: القضايا التي ليس من شأنها أن توجب تصديقا في النفس بل تؤدي إلى انفعالات نفسية.

أي أنه ليس الغرض منها التصديق بقضية ما بل يستعملها الشخص ليؤثر على مشاعر وأحاسيس غيره إما ترغيا في شيء أو تنفيرا منه.

ويسمى القياس الذي يتكون من المخيلات شعرا، ولا يشترط القافية والأوزان الشعرية وإن كانت هي أشد تأثيرا.

مثال: أن يرغب القائد أن يحمل جنده على الاستبسال في المعركة فيقول لهم:

ولو أن الحياة تبقى لحيّ لعدَدْنا أضلَّنا الشجعانا

وإذا لم يكن من الموت بُدّ فمن العار أن تموت جبانا.

فيؤثر هذا الكلام في النفوس ويلهب المشاعر والأحاسيس فيدفعهم نحو الموت كراهة في الجبن، فهذه من المخيلات لأنها لم تساق لأجل إقناع الناس بقضية وحملهم على التصديق بها بل الغرض منها تحريك المشاعر نحو هدف يحدده المتكلم.

مثال: أن تقول امرأة جاهلة لأخرى مات زوجها في سبيل الله: لو أن زوجك ما خرج لكان الآن كحلا لعينيك وسكنا يؤويك وظلا يحميك.فيثير هذا الكلام في النفس حزنا وتألما وكراهة لأمر الله.

وهكذا نجد أن الكلام الشعري يعتمد على المخيلات في إثارة المشاعر فتارة يقودك لخير وتارة يقودك لشر فتارة يحمل على الشجاعة وتارة يحمل على الجبن وتارة يعطي النفس السرور وتارة يملئها حزنا وتارة ينهى الناس عن المنكرات والشهوات وتارة يثير الغرائز والشهوات. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.

وأما الوهميات فهي: قضايا كاذبة يتوهمها المرء رغم مخالفتها العقل.

والمقصود بالوهم هنا هو الأشياء التي يتوهمها الإنسان ويتأثر بها وهي خاطئة لا حقيقة لها. 

مثال: أن يعتقد بعض الناس أن المكان المظلم مخيف، مع أنه لا فرق بين المكان المضيء والمكان المظلم فتجد النفوس تستوحش الظلام مع أنه لا فرق بين المكانين.

مثال: الميت يخاف منه، فهذه قضية مستقرة في أوهام أكثر الناس مع أنه لا واقع لها فالميت لا حول له ولا قوة ولهذا لو قيل لشخص نم بجنب ميت لارتعد خوفا فمع أن العقل لا يصدق بها إلا أنها تسيطر على الإنسان.

وأما المشبَّهات فهي: القضايا الكاذبة التي تشتبه بالقضايا الصادقة.

وهي تستعمل للمغالطة والخداع ولذا كان القياس المؤلف من الوهميات أو المشبهات يسمى سفسطة.

وهي كلمة يونانية معناها الحكمة المموهة أي تمويه الحق وإظهار الباطل بصورة الحق.

مثال: أن يشار إلى صورة فرس مرسومة على الجدار فتقول: هذا فرس- وكل فرس صاهل- فهذا صاهل.

فهذا القياس يسمى سفسطة ومغالطة، والخلل جاء من مقدمته الصغرى لأنها من المشبهات فقوله هذا فرس غير صحيح وإنما هذا صورة ورسم فرس.

مثال: أن يقال عن الميت: هذا ميت- وكل ميت يخاف منه- فهذا يخاف منه.

فهذه سفسطة ومغالطة جاءت من الكبرى لأنها من الوهميات.

ثم إن السفسطة إنما يلجأ إليها المخادعون لخداع الناس فهي تذكر لتجتنب.

تنبيهان:

أولا: الكلام المحرك للمشاعر ليس دائما يكون ظنيا أو خاطئا بل قد يكون يقينيا لأن هذه الأقسام متداخلة كما قد ذكرنا.

ومن إعجاز القرآن الكريم أن يشتمل على المواد اليقينية والمؤثرة في النفوس في وقت واحد كقوله تعالى: قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبكم بما كنتم تعملون.

فهذه الآية رغم كونها تأخذ بلب الإنسان وتدفعه إلى الخوف من الديان فهي حق لا ريب فيها فكل إنسان سيموت لا مفر من ذلك ثم يرد إلى الله.

ثانيا: يسمى البرهان والخاطبة والجدل والشعر والسفسطة بالصناعات الخمس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

قائمة المدونات الإلكترونية

About Me